سورة المؤمنون - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} أي لا تضجوا، {إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ} لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم. {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} يعني القرآن، {فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} ترجعون القهقرى تتأخرون عن الإيمان. {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} اختلفوا في هذه الكناية، فأظهر الأقاويل أنها تعود إلى البيت الحرام كناية عن غير مذكور، أي: مستكبرين متعظمين بالبيت الحرام، وتعظمهم به أنهم كانوا يقولون نحن أهل حرم الله وجيران بيته، فلا يظهر علينا أحد، ولا نخاف أحدا، فيأمنون فيه وسائر الناس في الخوف، هذا قول ابن عباس ومجاهد، وجماعة، وقيل: {مستكبرين به} أي: بالقرآن فلم يؤمنوا به. والأول أظهر، المراد منه الحرم، {سَامِرًا} نصب على الحال، أي أنهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول البيت، ووحد سامرا وهو بمعنى السمار لأنه وضع موضع الوقت، أراد تهجرون ليلا. وقيل: وحد سامرا، ومعناه الجمع كقوله: {ثم نخرجكم طفلا} [الحج- 5]، {تَهْجُرُونَ} قرأ نافع {تهجرون} بضم التاء وكسر الجيم من الإهجار وهو الإفحاش في القول، أي: تفحشون وتقولون الخنا، وذكر أنهم كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقرأ الآخرون: {تهجرون} بفتح التاء وضم الجيم، أي: تعرضون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الإيمان والقرآن، وترفضونها: وقيل: هو من الهجر وهو القول القبيح، يقال هجر يهجر هجرا إذا قال غير الحق. وقيل تهزئون وتقولون ما لا تعلمون، من قولهم: هجر الرجل في منامه إذا هذى. {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا} أي: يتدبروا، {الْقَوْلَ} يعني: ما جاءهم من القول وهو القرآن، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأوَّلِينَ} فأنكروا، يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلا إلى قومهم كذلك بعثنا محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم. وقيل: {أم} بمعنى بل، يعني: جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروا. {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} محمدا صلى الله عليه وسلم، {فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} قال ابن عباس: أليس قد عرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم صغيرا وكبيرا، وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود. وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعدما عرفوه بالصدق والأمانة.


{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} جنون، وليس كذلك، {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} يعني بالصدق والقول الذي لا تخفى صحته وحسنه على عاقل، {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} قال ابن جريج ومقاتل والسدي وجماعة: {الحق} هو الله، أي: لو اتبع الله مرادهم فيما يفعل، وقيل: لو اتبع مرادهم، فسمى لنفسه شريكا وولدا كما يقولون: {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ} وقال الفراء والزجاج: والمراد بالحق القرآن أي: لو نزل القرآن بما يحبون من جعل الشريك والولد على ما يعتقدونه {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} وهو كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء- 22].
{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} بما يذكرهم، قال ابن عباس: أي: بما فيه فخرهم وشرفهم، يعني القرآن، فهو كقوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم} [الأنبياء- 10]، أي: شرفكم، {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف- 44]، أي: شرف لك ولقومك. {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ} يعني عن شرفهم، {مُعْرِضُونَ} {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} على ما جئتهم به، {خَرْجًا} أجرا وجعلا {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أي: ما يعطيك الله من رزقه وثوابه خير، {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} قرأ حمزة والكسائي: {خراجا} {فخراج} كلاهما بالألف، وقرأ ابن عامر كلاهما بغير ألف، وقرأ الآخرون: {خرجا} بغير ألف {فخراج} بالألف. {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو الإسلام. {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ} أي: عن دين الحق، {لَنَاكِبُونَ} لعادلون مائلون.


{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ} قحط وجدوبة {لَلَجُّوا} تمادوا، {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ولم ينزعوا عنه. {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف، فأصابهم القحط، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنشدك الله والرحم، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال: بلى، فقال: قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط، فدعا فكشف عنهم، فأنزل الله هذه الآية {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} أي: ما خضعوا وما ذلوا لربهم، وأصله طلب السكون، {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} أي: لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم. {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} قال ابن عباس: يعني القتل يوم بدر. وهو قول مجاهد، وقيل: هو الموت. وقيل: هو قيام الساعة، {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} آيسون من كل خير. {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ} أي: أنشأ لكم الأسماع {وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ} لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا، {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} أي: لم تشكروا هذه النعم. {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} خلقكم، {فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} تبعثون. {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان، قال الفراء: جعلهما مختلفين، يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض، {أَفَلا تَعْقِلُونَ} ما ترون من صنعة فتعتبرون.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9